المحاضرة العاشرة: علاقة اللّفظ بالاستعمال (1) الاشتقاق وأنواعه)
المحاضرة العاشرة: علاقة اللّفظ بالاستعمال (1) الاشتقاق وأنواعه)
المحاضرة العاشرة: علاقة اللّفظ بالاستعمال (1) الاشتقاق وأنواعه)
عناصر المحاضرة: - مفهوم الاشتقاق
- أنواعه: (العام، الكبير، الأكبر، الكبّار، النّحت).
- أهمّيته.
تمهيد:
الاشتقاق سبيل من سبل نمو اللغة فمنه نسعى إلى دلالات جديدة مستحدثة كمكتشفات العلم ومبتكراته ووسائل الحضارة الجديدة؛ وهو خاصية من أهم خصائص العربية والذي به تبقى اللغة حيّة شابة ولودا لا تهرم ولا تشيخ، تمكن الباحث والمتحدث والكاتب من إمكانيات لغوية كبيرة تنقضه من العجز والحيرة أمام مدلولات أو مواقف لغوية يعبر عنها.
1. مفهومه:
لغة: الاشتقاق من الفعل شقّ _ُ شقّا الشيء: صدعه وفرّقه، ومنه شقّ عصا القوم أي فرق جمعهم أو كلمتهم: والصبح طلع كأنه شقّ موضع طلوعه وخرج منه، والأرض بالسكة حرثها، وشقوقا النبت: خرج من الأرض// وناب البعير طلع؛ شقق الحطب: شقّه // والكلام: أخرجه أحسن مخرج؛ اشتق الشيء أخذ شقّه// والكلمة من الكلمة أخرجها منها، نحو اشتق ضرب من الضرب؛ انشق الشيء: انفتحت فيه فرجة وانصدع؛ الشقّ مصدر(ج) شقوق: الصدع والخرق// الموضع المشقوق // الصبح// النصف من كلّ شيء؛ الشقّ: الجانب الواحد من الإنسان// الشقيق// الناحية؛ الشقّة: المسافة التي يشقّها السائ، شقيق جمع أشقاء: الأخ من الأب والأم.
اصطلاحا: '' هو توليد الألفاظ بعضها من بعض، ولا يكون ذلك إلّا من بين الألفاظ التي يفترض أنّ بينها أصلا واحدا ترجع إليه وتتولد منه''.
كما عرّف بأنّه:'' أخد كلمة من كلمة أو أكثر مع تناسب بين المأخوذ والمأخوذ منه في اللفظ والمعنى جميعا''.
وقد ذكر السيوطي نقلا عن ابن دحية في شرح التسهيل:'' الاشتقاق أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنى ومادة أصليا، وهيئة تركيب له، ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة لأجلها اختلف حروفا أو هيئة كضارب من ضرب وحَذِرُ من حَذِرَ''.
2. أنواعه:
أ. الاشتقاق الصغير( الأصغر): هو أهم أنواع الاشتقاق وأكثرها استعمالا عمليا وإجرائيا، وهو المعني بهذا الاسم(الاشتقاق) وهو ما عرّفه السيوطي سابقا وهو أخذ صورة من أخرى تشمل الأصل مع زيادة مفيدة، مثاله، كاتب ومكتوب وكُتّاب ومكتب وكتاب وكتب ويكتب، من الأصل كتب أو الكتْب.
وقد عرّفه سعيد الأفغاني بقوله:'' إنّ الاشتقاق هو أخذ اللفظ من آخر مع تناسب بينهما في المعنى وتغيير في اللفظ يضيف زيادة على المعنى الأصلي، وهذه الزيادة هي سبب الاشتقاق''.وهو الاشتقاق الصّرفي.
ويخضع الاشتقاق لشروط:
1- لابد للمشتق اسما كان أو فعلا أن يكون له أصل، فهو فرع أخذ من أصل.
2- مناسبة الفرع للأصل في جميع حروفه الأصلية( الأصل مدفون في الفرع).
3- المناسبة في المعنى.
ملاحظة: رجوع الفروع إلى الأصل يوحي بالرابطة المشتركة بينهما كارتباط الأبناء والأحفاد بالأجداد وهو ما أكده محمد المبارك بقوله: (( الألفاظ العربية كالعرب أنفسهم تتجمع في قبائل وأسر معروفة الأنساب، وتحمل هذه الألفاظ دوما دليل معناها وأصلها وميسم نسبها، وذلك في الحروف الثلاث الأصلية التي تدور مع ما يتولد عنها ويشتق منها من ألفاظ، وتختلف مفردات هذه المجموعات أو أسر الأفراد كثرة وقلة كالقبائل منها المنجب والعقيم والمكثر والمقل)).
وملاحظة أخرى أنّه به نميّز بين الأصل والدخيل فنعلم أن سرادق و الاستبرق والسندس كلمات ليست عربية بل معربة انتقلت من لغات أخرى إلى العربية، وقد اختلف نحاة المدرستين البصرة والكوفة في أصل الاشتقاق الفعل أو الاسم؛ ولكلّ منهما دليه، ومن أراد الاستزادة في المسألة فليعد إلى كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري.
أمّا عن المشتقات من هذا النّوع فإنّها تصل إلى سبعة عشر نوعا وهي: الماضي والمضارع والأمر والمصدر، واسم المصدر، واسم الفاعل واسم المفعول والصّفة المشبّهة واسم التّفضيل واسم الآلة واسمي المرّة والهيئة، واسمي الزّمان والمكان، والمصدر الميمي، وصيغ المبالغة واسم الآلة.
* ومثلما اشتقوا من الاسم أو الفعل اشتقّوا من أسماء الأعيان، مثال ذلك:
-تأبّل(اتخذ له إبلا) وتغنّم(اتّخذ له غنما) وتأرّض(لصق بالأرض)، وتبنّى(نسب له ابنا ليس من صلبه)؛ ومن اللّجام قالوا: ألجم الفرس؛ ومن الأعداد قالوا: وحّد وثنّى وثلّث وعشّر، ومن أسماء الأزمنة قالوا: صيّف وأصاف وربّع وأخرف وشتا، وأفجر وأصبح وأظهر وأعصر وأليل، واستحر وابتكر، وقالوا: استنوق واستأسد واستنسر، وتأبّط وتبغدد وأمصر وأعرق وأزره، وقالوا من الحروف: سوّف وأنعم(نعم) ولالى(لا)..
وسمّاه ابن جنّي بالاشتقاق الأكبر؛ يقول ابن جنّي: باب في الاشتقاق الأكبر: '' هذا موضع لم يسمّه أحد من أصحابنا، غير أنّ أبا عليّ الفارسي-رحمه الله-كان يستعين به ويخلد إليه مع إعواز الاشتقاق الأصغر، لكنّه مع هذا لم يسمّه، وإنّما كان يعتاده عند الضّرورة ويستروح إليه ويتعلّل به، وإنّما هذا التّقليب لنا نحن، وستراه فتعلم أنّه لقب مستحسن.''؛ ويعود ابن جنّي إلى تعريفه فيقول: '' وأمّا الاشتقاق الأكبر-الكبير- فهو أن تأخذ أصلا من الأصل الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستّة معنى واحدا، تجتمع التّراكيب الستّة وما يتصرّف من كلّ واحد منها عليه، وإن تباعد الشّيء من ذلك، ردّ بلطف الصّنعة والتّأويل إليه كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التّركيب الواحد.''، كما يجب أن نعلم أن كثيرا من الباحثين تحدّث عنه وأشار إليه منهم، علي عبد الواحد وافي، إذ يعرّفه بقوله: هو'' ارتباط مطلق غير مقيّد بترتيب بين مجموعات ثلاثية صوتيّة ترجع تقاليبها الستّة وما يتصرّف من كلّ منها إلى مدلول واحد، مهما تغاير ترتيبها الصّوتي.''.
أمثلة من هذا الاشتقاق:
-يرى ابن جنّي أن (ج ب ر) فهي أينما وقعت فهي للقوّة والشدّة، كـــ: جبرت العظم والفقير إذا قوّيتها وشددت منها، والجبر: الملك لقوّته وتقويته لغيره؛ ورجل مجرّب: إذا جرّسته الأمور واشتدّت شكيمته، ومنه الجراب لأنّه يحفظ ما فيه فيقوى؛ والأبجر والبجرة وهو القويّ السرّة، جاء في الحديث: (إلى أشكو عجري وبجري) أي همومي وأحزاني؛ ومنه البرج لقوّته وعلوه ولحمايته ما بعده والبرج لنقاء وبياض العين وصفاء سوادها؛ ورجّبت الرّجل إذا عظّمته وقوّيت أمره، ومنه رجب لتعظيمهم إياه وحرمة القتال فيه، والرّجبة ما تسند به النّخلة المكرّمة كيلا تميل، والرّاجبة أحد فصوص الأصابع..''
-ومنه الاجتنان: وهو الخفاء والاستتار فخرج منه: جَنَّ، جُنَّ، جنين، مجنون، جنان، جِنان، مجنّ، جنّة...
ملاحظة: ومّن اعترض على هذا النّوع من الاشتقاق السيوطي جلال الدّين، لإغفال بعض الصّيغ وصعوبة إيجاد الرّابط بينها وبين صويحباتها.
ج. الاشتقاق الأكبر(الإبدال اللّغوي لا الصّرفي):
عرّفه سعيد الأفغاني بقوله: '' وهو أن يكون بين الكلمتين تناسب في المعنى واتّفاق في الأحرف الثّابتة وتناسب في مخرج الأحرف المغيّرة، كـــ: نهق ونعق، وعنوان وعلوان...''كما نجد من المحدثين من حدّه وعرّفه بقوله: ''هو ارتباط بعض المجموعات الثلاثية الصّوتية ببعض المعاني ارتباطا عامّا لا يتقيّد بالأصوات نفسها، بل بترتيبها الأصلي، والنّوع الّذي يندرج تحته؛ وحينئذ متى وردت إحدى تلك المجموعات الصّوتيّة على ترتيبها الأصلي، فلابدّ أن تفيد الرّابطة المعنويّة المشتركة، سواء احتفظت بأصواتها نفسها، أم استعاضت عن هذه الأصوات، أو بعضها بحروف أخر تقارب مخرجها الصّوتي أو تتّحد معها في جميع الصّفات..''
أمثلة منه:
- تناوب اللّام والرّاء في لفظ: هديل الحمام وهديره.
- تناوب القاف والكاف في لفظ: قشط الجلد وكشطه.
- تناوب الباء والميم، في لفظ: كبحت الفرس وكمحته.
- تناوب السين والصّاد، في لفظ: سقر وصقر، وسراط وصراط، وساطع وصاطع.
- تناوب الهمزة والهاء في لفظ: أزّ وهزّ. (الهمزة أخت الهاء)
- تناوب العين والهمزة، في لفظ: العسف والأسف. (العين أخت الهمزة) والأسف يعصف النّنفس.
- تناوب الرّاء واللّام، في لفظ: الجرفة(جرف) والجلفة(من جلف: أخذ الجلف)، فالرّاء أخت اللّام، وقريب منه: جنف: وهو الميل.
ومن أمثلته:
- مدح ومده. – جدّ وجذّ. – خرم وخزم. – صقع وسقع الدّيك: صوّت. – فرق وفلق.
ملاحظة:
-الفرق بين الاشتقاق الكبير والأكبر، الأوّل قائم على القلب، بينما الثّاني قائم على الإبدال.
-ما يقع من الإبدال، إنّما هي لغات مختلفة لمعان متّفقة، تقارب اللّفظين في لغتين لمعنى واحد، حتّى أنّهما لا يختلفان إلاّ في حرف واحد.
النّحت لغة: من النّشر والقشر، والنّحت نحت النجّار الخشب؛ نحت الخشبة ونحوها ينحتها نحتا، فانتحتت، ونحت الجبل ينحته: قطعه، وهو من ذلك.وفي القرآن الكريم: {وتنحتون من الجبال بيوتا} الشّعراء149. وعن الجوهري: نحته ينحِته بالكسر أي: براه. ومنه ندرك أنّ المعنى اللّغوي للنّحت يؤول إلى الحذف والإنقاص والاختصار.
النّحت اصطلاحا: وهو أن تعمد إلى كلمتين فأكثر أو جملة فتنتزع من مجموع حروف كلماتها كلمة فذّة تدلّ على ما كانت تدلّ عليه الجملة نفسها. ومنه فالكلمة الجديدة تكون اسما كـــــ: البسملة والحمدلة والحوقلة...
أنواعه:
أ. النّحت الفعلي: ينحت من الجملة فعلا للدّلالة على النّطق بها أو على حدوث مضمونها، كقولهم: بسمل من: بسم الله الرّحمن الرّحيم؛ وحوقل من: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم؛ وجعفل من قوله: جعلت فداك، وسبحل من قوله: سبحان الله؛ ودمعز من قوله: أدام الله عزّك؛ وسمعل من قوله: السّلام عليكم، وحسبل من قوله: حسبي الله؛ وبأبأ من قوله: بأبي أنت.
ب. النّحت الوصفي: ينحت من كلمتين أو ثلاث كلمة تدلّ على صفة، بمعنى المنحوت منه، أو أشدّ منه، نحو: الصّقعب للطّويل من الرّجال أخذت من لفظ الصّقب وهو الطّويل ومن الصّعب وهو الصّعوبة؛ والعلكد وهو الشّديد، أخذ اللّفظ من العكد وهو السّمن والغلظة ومن العِلْوَدّ وهو الشّديد، ومن الكلد، وهو تداخل الشيء بعضه في بعض؛ صلدم لشديد الحافر، من الصلد والصدم، والهجرع الخفيف الأحمق من هرع وهجع، فالهرع المتسرّع والهجع: الأحمق.
ت.النّحت الاسمي: يُنْحَتُ من كلمتين اسم جامع بين معنييهما كــــ: جلمود: جلد وجمد؛ الحُبُقُر وهو البَرَد من حبّ وقُرّ.
ث.النحت النّسبي: ينحت اسم منسوب إلى علمين، منه: شفعنتي نسبة إلى الشّافعي وأبي حنيفة، وعبشمي(عبد شمس)، وعبدري (عبد الدّار)، ومرقسي (امرؤ القيس).
* النّحت من مظاهر اللّغة قال به الأوائل والأواخر؛ قال الشّاعر:
وتضحك منّي شيخة عبشمية كأن لم تري قبلي أسيرا يمانيا
3. أهمّيته:
- الاشتقاق يجعل اللّغة جسما واحدا حيّا تتوالد أجزاؤه ويتّصل بعضها ببعض بأواصر قويّة.
- الاشتقاق مظهر من مظاهر اللّغة يغني عن التضخّم اللّغوي، فهو سبيل من سبل الاقتصاد.
- توليد ألفاظ للدّلالة على معانٍ جديدة وتوصف اللّغة من خلاله بأنّها ولود(النّحت).
- هو طريقة للتجديد والتّنويع الفنّي، كاستعمال ألفاظ جديدة؛ تجديد اللّفظ وإلباس المعنى حلّة جديدة مستحدثة.
- مظهر من مظاهر حيوية اللّغة وقدرتها على التّطوّر ومواكبة المبتكرات.
_ يدلّ على أصول الألفاظ، ويمكننا ربط الكلمة بأخواتها وأفراد المجموعة التي تنتسب إليها.
- النّحت مظهر من مظاهر الاقتصاد اللّغوي، المتمثّل في بالاختصار والاختزال والحذف.
- هو استجابة لحاجة المتكلّمين والمستخدمين للّغة، وذلك لمسايرة ما يقع من مخترعات جديدة.
4. أمثلة عنه:
-بُحْتُر: القصير المجتمع الخَلْق ـــــــــــــــــــــــــــــــ من: بتر وحتر.
-بَحْثَر: بدّد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من بحث وبثر.
-بلطح: ضرب بنفسه الأرض ــــــــــــــــــــــــــــــــــ بُطح وأُبْلِط.
-البرقش: طائر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رقش والبرش.
-البهنسة: التّبختر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالبهس وبنس.
-جمهور: الرّملة المشرفة على ما حولها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جمر وجهر.
-جرفاس: صفة الأسد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جرف وجرس.
-جحفل: الجيش العظيم والسيّد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الحفل والجفل، أو الجفل والجحف.
-جندل: الحجر الضّخم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الجدل والجند.
* بعض المؤلّفات القديمة:
-اشتقاق الأسماء للأصمعي؛ اشتقاق أسماء القبائل لابن دريد؛ اشتقاق أسماء الله عزّ وجلّ لأبي جعفر النّحّاس؛ اشتقاق أسماء المواضع والبلدان للخوارزمي.
الكتب الحديثة: المسار في فقه اللّغة العربيّة لعاطف خليل/مدخل إلى فقه اللّغة العربيّة لأحمد محمد قدّور/الاشتقاق والتّعريب لعبدالقادر المغربي/فصول في فقه اللغة لرمضان عبدالتّوّاب/فقه اللغة لعلي عبد الواحد وافي/ فقه اللّغة وخصائصها لإيميل بديع يعقوب/فقه اللغة وخصائص العربيى لمحمد المبارك/ في فقه اللغة العربيّة لمحمد فريد عيد الله.
المصادر والمراجع:
2- فقخ اللغة مناهله ومسائله، أسعد النادري
3- فقه اللغة وخصائص العربية، محمد المبارك.
4- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدّين السيوطي.
5- فقه اللّغة وأسرار العربية، أبو منصور الثعالبي.
6- الخصائص، أبو الفتح بن جنّي .
7- فقه اللّغة، علي عبد الواحد وافي
8- دراسات في فقه اللّغة، صبحي الصالح.