المحاضرة الثالثة: اللّغة العربيّة واللّغات السّاميّة، (اللّغة العربيّة ولهجاتها).

المحاضرة الثالثة: اللّغة العربيّة واللّغات السّاميّة، (اللّغة العربيّة ولهجاتها).

تمهيد:

     اختلف العلماء في تصنيف اللّغات، منهم من نظر إلى صلات القرابة فصنّفها إلى أسر وفصائل، ومنهم من نظر إلى خصائص كلّ لغة؛ وأهمّ هذه النّظريات التي تناولت تصنيف اللّغات، نظرية شليجل، ونظرية ماكس مولر.

1/نظرية شليجلschlegel:

المبدأ العام الّذي تقوم عليه هذه النّظريّة، هو قانون التطوّر والارتقاء والّذي تبنّاه تشارلز داروين؛ وعلى هذا الأساس صنّفت اللّغات إلى ثلاث فصائل:

·       اللّغات التّحليليّةAnalytiques أو المتصرّفةFlexionnelles:

 تقوم على وصف كلماتها الصّرفيّة، وبتغيّر معانيها بتغيّر أبنيتها، من ذلك في العربيّة المشتقات المأخوذة من المصدر كاسم الفاعل واسم المفعول واسم الآلة والصفّة المشبّهة..، كما أنّ أجزاء الجملة أو التّركيب تّصل بعضها ببعض بروابط مستقلّة، للدّلالة على اختلاف العلاقات، وبهذا الوصف فإنّ اللّغات التي تنتمي إلى هذا الفصيل هي اللّغات السّاميّة كالعربيّة والعبريّة والكنعانيّة، واللّغات الحاميّة ومن يحوم في حماها كاللّغات الهندو أوربيّة.

·       اللّغات الإلصاقيّة Agglomerantes:

والملاحظ على هذا النّوع من اللّغات أنّها تتميّز بتغيّر معنى الأصل صرفا وتنظيما، بعلاقته بغيره من أجزاء الجملة بحروف تلتصق بهذا الأصل بسابقةprefixes، أو لاحقةSuffies، أي بمجرّد ما نضيف سابقة أو لاحقة يتغيّر المعنى؛ ومن هذه اللّغات التي تنتمي لهذا الفصيل: التركية واليابانيّة والمنغولية والأشوريّة والباسك(البشكنش) كما سمّاها العرب.

ملاحظة: للعربيّة نصيب أوفر مما يلحقها من سوابق كأحرف المضارعة، والسّين وسوف وقد ولام التّوكيد؛ وما يلحقها من لواحق كألف الاثنين وواو الجماعة وغيرها.

·       اللّغات العازلةIsolantes أو غير المتصرّفةmono-syllabiques:

والوصف العام لهذه اللّغات أنّ كلماتها تلازم صورة واحدة تدلّ على معنى ثابت لا يتغيّر ، ولا تتغيّر لا بالتصرّف ولا بالإلصاق، وهذه اللّغات منها: الصّينيّة وكثير من اللّغات البدائيّة.

ملاحظة:

     يرى علي عبد الواحد وافي: أنّ التصرّف والإلصاق والعزل لا تكاد لغة إنسايّة تخلو منها

2/نظريّة ماكس مولرMaxMuller(ت1900م):

 تقوم هذه النّظريّة على أساس أواصر القرابة بين اللّغات في الفصيل الواحد وقواعد البنية وتركيب الجمل؛ هي لغة أمم ناطقة بها. تشكّل بهذه الآصرة مجموعة إنسانيّة متميّزة ترجع إلى أصول شعبيّة واحدة متقاربة، لها روابط جغرافيّة وتاريخيّة واجتماعيّة، وقد حدّدت بثلاث فصائل:

أوّلا: فصيلة اللّغات الهندو أوروبيّةLangues indo-Européennes: وتشمل:

- مجموعة اللّغات الآريّة(الهنديّة الحديثة والفارسية القديمة والحديثة والكردية والأفغانيّة.

 مجموعة اللّغات الإغريقيّة وتضمّ اللّغات اليونانيّة القديمة والحديثة.

-مجموعة اللّغات الأرمينيّة. – مجموعة اللّغات الألبانيّة.

- مجموعة اللّغات الإيطاليّة وتضمّ: الأسكيّة، اللّاتينيّة، والرّومانيّة والمتفرعة عنها من فرنسية وإيطاليّة وإسبانيّة وبرتغاليّة ولغة رومانيا.

- مجموعة اللّغات السّيليتيّة، صغت عليها الفرنسية والإنجليزيّة والإسبانيّة، لها بقايا في إرلندا وويلز وبروتاني.

- مجموعة اللّغات الجرمانيّة وتشمل أيسلندا، والدّانمارك، والنّرويج، والسّويد، والإنجليزيّة والهولنديّة واللّغات الألمانيّة.

- مجموعة اللّغات البلطيقيّة السّلافيّة، وتشمل: اللّتوانيّة والبروسية القديمة، وشعبة اللّغات السّلافيّة كالرّوسيّة والبولونيّة والتشيكيّة والصّربيّة والكرواتيّة والبلغاريّة.

ثانيّا: فصيلة اللّغات الحاميّة السّاميّةLangues Chamito-Sémitiqués: وتشمل:

* مجموعة اللّغات الحاميّة: منها المصريّة القديمة والقبطيّة، واللّبيبيّة(البربريّة) لغة شمال إفريقيا والشّاويّة...؛ والكوشيتيّة(شرق إفريقيا) منها الصّومالية ما عدا الحبشيّة..

* مجموعة اللغات السّاميّة(الشّماليّة) منها الآكاديّة، الأشوريّة، البابلية، الكنعانيّة، العبريّة، الفينيقيّة، واللّغات الآراميّة(التدمرية والنبطية والسريانية والمندانيّة/لهجة الصابئة، والسريانية والآراميّة)، واللّغات السّاميّة الجنوبيّة ومنها العربيّة، اليمنيّة القديمة والحبشيّة السّاميّة.

* ثالثا: فصيلة اللّغات الطّورانيّةLangues Touraniennes: وهي اللّغات الّتي لم تدخل في الفصيلتين السّابقتين، وماكس مولر من أطلق هذا الاسم؛ وهي فصائل متعدّدة لا صلة بينها؛ ذكرها علي عبد الواحد وافي في تسع عشرة فصيلة وهي:

-اليابانيّة-الكوريّة-الأينو(جزر روسيّة يبانيّة)-الصّينيّة التّبتّية-الأستراليّة-الدراقيديّة(جنوب الهند) - القوقازية الشّماليّة(السّاموريّة) – الأرديسيّة - الأديغيّة-القوقازيّة الوسطى(الجيورجيّة) – اللّازيّة - الأسيويّة القديمة(السومرية) – التركية – المغولية -المنشورية - الفينية - الأغريّة - السّاموديّة - الباسك - الهبروبوريّة-الملاويّة(البولينزيّة/أندونيسيا) - سكان أستراليا الأصليين- الأمريكية(الهنود الحمر)-السودان وغانا-البنطُوية(جنوب أفريقيا) - البوشيمان(الهوتنتوت) - والنيجريين..

*موطن الشّعوب السّاميّة الأولى:

لفظ السّاميّة والحاميّة مأخوذ من نص التّوراة، فأولاد نوح هم سام وحام ويافث، ومن سمّى اللّغات بهذا الاسم الألماني شلوتزرSchlozer، وتتمثّل اللّغات السّامية في الآراميّة والفينيقيّة والعبريّة والعربيّة واليمنيّة والبابليّة والأشوريّة؛ أمّا عن الموطن الذي ضمّ هذه اللّغات فهو أرمينيّة بكردستان، وجنوب العراق، والقسم الجنوبي الغربيّ من جزيرة العرب، ومن يرى هذا الرّأي كلٌّ من المستشرق الألماني بروكلمان، وأرنست رينان. وأقرب لغة قريبة من اللّغة السّاميّة الأولى هي العربيّة، وهذا رأي كثير من الباحثين الغربيين.

العلاقة بين اللّغات السّاميّة(الخصائص):

المستوى الصّوتي: لوحظ التّشابه في هذه اللّغات في الأصوات الحلقيّة: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، واللّغة الوحيدة التي تضمّ كلّ الأصوات الحلقية هي العربيّة؛ كما لوحظ التّشابه في أصوات الإطباق: الصاد والضّاد والطّاء والظّاء والقاف.

المستوى الصّرفي: أصل الكلمة السّاميّة في الغالب يتركّب من ثلاثة أصوات صامتة غير لينة، وهناك من يرى أنّ الأصل الثّنائي لا تخلو منه العربية، من ذلك كلمات: من، عن، لم، هو، هي؛ ومن قال بالثّلاثي فإنّه يردّ الرباعي إلى الثّلاثي، لأنه منحوت من كلمتين من ذلك الفعل دحرج، فهو مؤلّف من الفعلين دحر ودرج.

المستوى النّحوي: ممّا لوحظ على الاسم هو أنّه تتعاوره ثلاث حالات: الرّفع والنّصب والجرّ؛ إذ الإعراب العربي امتداد للّغة السّاميّة الأولى، ومنها الآكاديّة؛ كا لوحظ ظاهرة التّوازي في اللّغة العبريّة، وهو ربط جملة بجملة بالواو كما في العربيّة.

المستوى المعجمي: لوحظ وجود كلمات مشتركة بين هذه اللّغات لها نفس الدّلالة، نحو: أب وأم وأخ وأخت.

أمّا عن الاختلاف فلا شكّ أنّه موجود، ولكن لا نريد أن نرهق الطالب بهذا.

-يذكر مصطفى صادق الرّافعي في كتابه تاريخ آداب العرب أنّ اللّغات السّاميّة هي لهجات القسم الجنوبي من عرب آسيا، من الأردن شمالا إلى البحر العربي جنوبا، ومن خليج العرب شرقا إلى البحر الأحمر غربا، حيث وجد الباحثون أوجه شبه كثيرة بين العربيّة والعبرية والحبشية والسّريانيّة والآشوريّة والآرمية، فاعتقدوا  بأنّها تعود لأصل واحد وهو لغة واحدة لأمّة واحدة، ثمّ تفرّقوا فاختلفت ألسنتهم مع الاحتفاظ ببعض الشّبه

مفهوم اللّهجة:

لغة: اللهجة واللّهجة: طرف اللّسان وجرس الكلام، ويقال: فصيح اللهجة واللهجة، وهي لغته، التي جبل عليها، فاعتادها ونشأ عليها

اصطلاحا:

     يقصد باللّهجة مجموعة الصّفات اللّغويّة التي تنتمي إلى بيئة خاصّة، ويشترك في هذه الصّفات جميع أفراد هذه البيئة، وللعلم فإنّ العرب واللّغويين لم يستعملوا مصطلح اللّهجة بل استعملوا مصطلح اللّغات، فقالوا لغة قريش ولغة تميم ولغة أسد ولغة طيء، ولغة أزد شنوءة وهكذا...

خصائص اللّهجة:

- الاختلاف الصّوتي، كأن قبيلة تنطق القاف كافا، أو الذّال زايا، وقد يكون الاختلاف في النّبر، ومثاله قبيلة تميم تنطق الهمزة عينا، والجزائر تعرف مثل هذا النطق ، فيقال بدل القرآن: القرعان؛ فأهل تلمسان ينطقون القاف ألفا، فبدا قال تنطق آل، وأهل جيل ينطقون القاف كافا، فعوض قنبلة ينطقون كنبلة.

- التقديم والتّأخير في بعض الأصوات كبين جبذ وجذب.

- التّميز بجرس موسيقي معيّن، كلهجة الغرب الجزائري(واه)، وجرس العنابي، أو الجيجلي أو النايلي.

- نبر الهمزة وتحقيقها أوتسهيلها كما بين لهجة تميم وقريش الحجازية.

أسباب نشأة اللّهجات:

- العزلة التي تفرضها على بعض القبائل على نفسها.

- اللّغات محكومة بالتطوّر المستمر، فهي تجدّد نفسها بنفسها

- التعدّد الطبقي في المجتمع يفرز تعدد اللهجات، لذلك نجد لهجة للنجارين وأخرى للحوّاتين وأخرى للفلاحين وهكذا..

- التعددّ يعود للأفراد أنفسهم أي للنّاطقين باللّغة، فلكلّ شخص يفرض سمته اللّغوي.

- ما يحدث من صراع لغوي بين لغة وافدة غازية وأخرى مستقبلة مغزوّة، مثاله العربية وأثرها في اللّغة الإسبانيّة واللغات الأوربية الأخرى؛ وأثر لغات المستعمرين في البلاد العربيّة، ممّا أفرز لهجات متعدّدة.

- التجاور الجغرافي مما يفرز احتكاكا بين اللّغات أو اللّهجات، فتنشأ لهجة جديدة.

- التشرذم في البيئة الواحدة ممّا يؤدّي إلى نشوء بيئات فتصير لكلّ واحدة منها لهجة.

·       أهمّ لهجات اللّغة اليمنيّة الأولى( القديمة):

تضمّ اللّغة اليمنيّة القديمة كلّ من المعينيّة والسّبأية والحميريّة والقاتبانيّة والحضرميّة.

·       العربيّة الباقيّة ولهجاتها:

مقارنة بين لهجة تميم ولهجة قريش(الحجازيّة):

-إدغام المثلين أو الحرفين المتجاورين؛ فالأمر من غضّ (تميم)، عند قريش (اغضض)، وهي التي نزل بها القرآن، منه قوله تعالى{وَاِغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}  لقمان، وقد ورد الفعل غض في شعر جرير وهو تميمي، بقوله مع إدغام المثلين:

        فغُضّ الطّرف فإنّك من نمير    فلا  كعبا  بلغت  ولا  كلابا

ومنه قوله تعالى في فكّ الإدغام: {وَإِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ}، وقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ}، ومن الإدغام قوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي}طه81.

-قول تميم في فُزْتُ: فُزْدُ، تم إبدال صوت التّاء بصوت الدّال لأنّهما من نفس المخرج وهو النّطع، وهذا للتّسهيل.

- تحقيق الهمز وتسهيله، فتمم تحقّق الهمزة، وقريش ومعها الحجازيون يسهّلون، من ذلك: لفظ الذّئب والذّيب، ومنه قوله تعالى:{فأكلهُ الذِّيبُ/ الذّئبُ} يوسف.

- لفظ وتد: تميم تدغم التّاء في الدّال لأنّهما نطعيان، فقالوا: وَدٌّ، والحجاز تقول: وَتِدٌ.

- قريش في زَهَدَ وحَقَدَ، تميم تكسر عين الفعل، فتقول: زَهِدَ، حَقِدَ.

- قريش تقول: يُفْرِغُ فُرُوغًا؛ وتميم تقول: يفرَغُ فرَاغًا.

- قريش تقول: برأت من المرض، فأنا براء، وتميم تقول: برئت من المرض فأنا بريئ

- قريش تقول: ذأى البقل يذأى، وتميم تقول: ذوى البقل يذوي.

- قريش تقول: قلوت البُرّ، يقلى، فأنا أقلوه قلوا؛ وتميم تقول: قليت البرّ أقليه قليا.

- قريش تقول: لات الشّيء يليتُه، إذا نقصه حقّه، وتميم تقول: ألاته يُليتُه؛ واللّغتان نزل بهما القرآن الكريم، منه قوله تعالى:{لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}، {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}.

- قريش تقول: تخذت ووخذت؛ وتميم تقول: اتّخذت.

- قريش تقول: أوصدت الباب؛ وتميم تقول: آصدته.

- قريش تقول: وكّدت توكيدا، وتميم تقول: أكّدت تأكيدا.

- قريش تقول: حِصاد وقِطاف على فِعال؛ وتميم تقول: حَصَاد وقَطَاف على فَعَال، والقرآن نزل باللّغتين:{ وَآتَوا حَقَّهُ يَوْمَ حِصَادِهِ/حَصَادِهِ}.

-قريش تقول: حِجٌّ، وتميم تقول: حَجٌّ، واللّغتان نزل بهما القرآن{وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ/حَجُّ}.

- قريش تقول: كراهة، وتميم تقول: كراهيّة

- قريش تقول: الوكاف، وتميم تقول: الإكاف.

- قريش تقول: إِسْوَة وقِدْوَة، وتميم تقول: أُسْوَة وقُدْوَة.

- قريش تقول: الوَتْر، وتميم تقول: الوِتْر.

- قريش تقول: هلمّ، وتميم تقول: هلمّا وهلمّي وهلمّوا..

- قريش تقول: منذ، وتميم تقول: مذ.  (منذ ومذ قد يكونان حرفي جر، أو ظرف)

- قريش تقول: أيهات، وتميم تقول: هيهات (اسم فعل ماضي).

- قريش تقول: هي التمر والشّعير، وتميم تقول: هو التّمر والشّعير.

المصادر والمراجع: 

1- مباحث في علم اللّغة ومناهج البحث ، نور الهدى لوشن.
2- فقخ اللغة مناهله ومسائله، أسعد النادري
3- فقه اللغة وخصائص العربية، محمد المبارك.
4- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدّين السيوطي.
5- فقه اللّغة وأسرار العربية، أبو منصور الثعالبي.
6- الخصائص، أبو الفتح بن جنّي .
7- فقه اللّغة، علي عبد الواحد وافي
8- دراسات في فقه اللّغة، صبحي الصالح.


Vous avez terminé 0 % de la leçon
0%