الفصل الثالث- حوكمة البنوك
الفصل الثالث- حوكمة البنوك
الفصل الثالث- حوكمة البنوك
مقدمة:
ساهمت التغيرات والانعكاسات الخاصة بالعولمة في التأثير بشكل واسع على القطاع المصرفي، كماساهمت الأزمة المالية الأخيرة في زعزعة النظام البنكي . من أجل تخفيف شدة الأزمة، كان على صانعي القرارات ومسيري البنوك البحث على السبل الكفيلة القادرة على تحقيق استقرار البنوك بوضع برنامج واسع لنشاطها من أجل الوقاية من الفساد وسوء الإدارة وتحقيق الشفافية والإفصاح. يتضمن البرنامج تعزيز الاهتمام بموضوع حوكمة البنوك والمؤسسات المالية.
أولا: الإطار المفاهيمي الحوكمة:
وجد خمسة عشر معنى في اللغة العربية لتفسير المصطلح المذكور منها: حوكمة الشركة، حاكمية الشركة، حكمانية الشركة، التحكم المشترك، التحكم المؤسسي، الإدارة المجتمعة، ضبط الشركة، السيطرة على الشركة، المشاركة الحكومية...
1- التطور التاريخي للحوكمة:
أول من اهتم بالحوكمة الباحثان الأمريكيان Berle et Means في1932 بتقديمهم ندوة بعنوان "الشركة الحديثة والملكية الخاصة"، استخلصا بعد دراسة تركيبة رأسمال شركات أمريكية كبيرة أهمية وضرورة فصل الملكية عن الإدارة وفرض رقابة على تصرفات المسيرين لحماية حقوق المساهمين.
كما ترجع فكرة الحوكمة إلى نظرية الوكالة التي طورت سنة1976 من طرف الأمريكيينMeckling وJensen، التي أثارت مسألة تخص الفصل بين ملكية رأس المال التي تعود للمساهمين ومهمة اتخاذ القرار والتسيير الموكلة للمسيرين.
في 1992 قامت المملكة المتحدة بإصدار أول مجموعة لمبادئ حوكمة الشركات ضمن تقرير كادبوري (Cadburyreport)، كما جاء تقرير جنوب إفريقيا كينغ الأول(1King) في1994، ثم كينغ الثاني (2King) في2002، ثم جاءت المبـادئ الفرنسـية والألمـانية و أخيرا الدليل الموحد في المملكة المتحدة.
وفي 1999 نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD المبادئ الدولية الأولى لحوكمة الشركات كمعيار لمقارنة الممارسات الفعلية، ثم عدلتها في2004، وأصبحت أساسا لمبادرات حوكمة الشركات في كل الدول، بتقديم مجموعة من الخطط الإرشادية لتدعيم الإدارة، كفاءة أسواق المال واستقرار الاقتصاد ككل.
2- تعريف الحوكمة: أعطيت عدة تعاريف للحوكمة منها:
- مؤسسة التمويل الدوليةIFC: الحوكمة هي"النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها"؛
- بنك التسويات الدوليةBRI : بأنها الأساليب التي تدار بها البنوك من خلال مجلس الإدارة والإدارة العليا والتي تحدد كيفية وضع أهداف البنك والتشغيل وحماية مصالح حملة الأسهم وأصحاب المصالح مع الالتزام بالعمل وفقا للقوانين والنظم السائدة وبما يحقق حماية مصالح المودعين.
3- أهمية الحوكمة في البنوك: تطهر من جانب البنوك التجارية ومن جانب البنك المركزي:
× في البنوك التجارية: تظهر أهمية الحوكمة الجيدة لتجنب الفوضى والانهيار من أجل توجيه ورقابة العمليات التشغيلية للبنوك، تحسين الكفاءة الاقتصادية، المحافظة على أموال المودعين؛
× في البنك المركزي: هو المسؤول عن تنظيم ورقابة الجهاز المصرفي وتعزيز وتشجيع الحوكمة لأنه يقع ضمن المسؤوليات الإشرافية للبنك المركزي، وللبنك المركزي المسؤولية القانونية للتأكد من ذلك؛
4- مبادئ الحوكمة في البنوك: ازدادت أهمية الحوكمة في البنوك مع إصدار لجنة بازل لتقرير حول تعزيز الحوكمة في البنوك سنة 1999 ونسخة معدلة سنة 2005 وأخرى محدثة سنة 2006 بعنوان:
"Enhancing corporate governance for banking organization" يشمل مبادئ الحوكمة في البنوك حيث تنظم الرقابة على البنوك ومراقبة الصناعة البنكية وأهداف الحوكمة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
. الشكل رقم (1): مبادئ حوكمة الشركات
كفاءة مجلس الإدارة
مبادئ الحوكمة |
وجود نظام فعال للرقابة الداخلية
الإفصاح والشفافية
الإعلان عن الأهداف الاستراتيجية
حفظ حقوق حملة الأسهم
توفير البيئة التشريعية
5- محددات الحوكمة: يتوقف التطبيق الجيد والسليم للحوكمة على مدى توافر مستوى جودة مجموعتين من المحددات:
أ- المحددات الداخلية :تشمل القواعد والأساليب التي تطبق داخل الشركات ووضع الاستراتيجيات وسياسات التشغيل وتوجيه الإدارة العليا وتحمل المسؤولية والتأكد من سلامة موقف البنك، وفق الأخلاقيات المهنة، بمشاركة المساهمين لمراقبة أداء الشركات والتأثير على تحديد توجهات المصرف.
ب- المحددات الخارجية: يجب الاهتمام بتنفيذ القوانين والقواعد التي تضمن حسن إدارة المؤسسة ويتضمن:
· القوانين التي تنظم وتضمن كفاءة الأسواق، كماوضع ميثاق شرف للعاملين في السوق كالمدققين، المحاسبين...؛
· كفاءة القطاع المالي المتمثل في البنوك والأسواق المالية لتوفير التمويل اللازم للمشاريع؛
· درجة تنافسية أسواق السلع وعناصر الإنتاج؛
· فعالية الهيئات والأجهزة الرقابية(هيئة سوق المال والبورصة) في تنفيذ رقابة صارمة على الشركات؛
ثانيا: الحوكمة في البنوك الجزائرية
1- الظروف المؤدية إلى تبني الجزائر تطبيق مبادئ الحوكمة:
شرعت الجزائر في إصلاحات عميقة للجهاز المصرفي منذ سنة 1990 في إطار الانتقال إلى اقتصاد السوق سعيا وراء خلق منافسة بين البنوك، تحسين الخدمات البنكية المقدمة للجمهور. وخلق بنوك خاصة عديدة محلية وأجنبية منذ سنة 1998، إلا أن ضعف المؤهلات البشرية، والخبرة اللازمة في المجال البنكي، عدم وجود رقابة بنك الجزائر قبل وخلال قيام البنوك التجارية بنشاطها، ساهم في خلق أزمة في القطاع البنكي.
من بين البنوك التي ساهمت في أزمة الجهاز البنكي سنة 2003هو بنك الخليفة الذي أنشئ سنة 1998، وحاول في مدة قصيرة جلب أكبر عدد من الزبائن بإغرائهم بمعدلات فائدة مرتفعة على الودائع لا ينافسها أحد في السوق وتسهيلات على القروض ومختلف الخدمات البنكية الأخرى. وترجع لأسباب أشار إليها تقرير اللجنة البنكية في إحدى مذكرات الرقابة والتفتيش التي تذكر أسباب فشل بنك الخليفة في عمله.
كما ساهم البنك الصناعي التجاري الجزائري BCIA كذلك في أزمة الجهاز البنكي الجزائري حسب ما أشار له تقرير تفتيش من مصالح الرقابة التابعة لبنك الجزائر.
بالإضافة لهذين البنكين، فقد تم الإعلان من اللجنة البنكية بعد مارس 2005 على سحب الاعتماد من كل البنوك المحلية العاملة التي لم تتمكن من رفع وتكوين رأسمال المطلوب قبل هذا التاريخ وعدم قدرتها على التسديد لعدم توفر السيولة الكافية، وعليه تمت التصفية لكل البنوك برأسمال محلي.
2- موقف الجهاز البنكي الجزائري من الحوكمة: لم تكن الحوكمة مطروحة لا إعلاميا ولا ميدانيا، إلا أن مناداة وإلحاح المنظمات والهيئات العالمية مثل الصندوق النقد الدولي، البنك العالمي، لجنة بازل التي أصدرت مبادئ الحوكمة كمعايير لتقييم اقتصاديات الدول، جعل الجزائر تسعى إلى تطبيق مبادئها على المستوى الكلي أو الجزئي( الجهاز البنكي). خاصة بعد أزمة بنك الخليفة والبنك الصناعي والتجاري الجزائري، يونين بنك، حيث كان من الأسباب الرئيسية لتلك الأزمة هو سوء التسيير داخل البنوك.
إن تطبيق مبادئ الحوكمة في البنوك الجزائرية بصفة سليمة يتطلب مساهمة طرفين من جهة بنك الجزائر باعتباره المسؤول عن تنظيم ورقابة البنوك والإشراف عليهٌا، ومن جهة أخرى مساهمة كل البنوك الأخرى بتبني الإدارة العليا مبادئ الحوكمة الواردة من لجنة بازل والصادرة في 2006.
من أجل القضاء على كل هذه السلبيات وإرضاء الأطراف الأجنبية وتطبيق مبادئ الحوكمة، أنشئت اللجنة الوطنية للحكم الراشد المتكونة من 99 عضو من الفعاليات المختلفة من الحكومة والهيئات المختلفة والمتعاملين الاقتصاديين، إلى جانب ذلك اتخذت عدة إجراءات مصاحبة لها بإصدار قوانين وتشريعات، وتتمثل في:
× وضع نظام مركزية المخاطر 1992؛
× القواعد الإحترازية 1994؛
× قوانين محاربة الفساد المالي والإداري؛
× نظام الرقابة الداخلية لأنشطة البنوك والمؤسسات المالية 2002؛
× نظام ضمان الودائع 2004؛
× برنامج العمل الوطني في مجال الحوكمة، عن طريق وضع عقود الكفاءة، تحسين دور مجالس الإدارة، تحسين إدارة البنوك، تحسين ظروف الاستغلال البنكي؛