/

ملخص شامل حول تطور مهنة التدقيق في الجزائر:

 تطور مهنة التدقيق في الجزائر

عرفت مهنة التدقيق في الجزائر تطورًا تدريجيًا يعكس التحولات الاقتصادية، القانونية والمؤسساتية التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال سنة 1962. وقد مر هذا التطور بعدة مراحل رئيسية يمكن تلخيصها فيما يلي:

أولاً: المرحلة الأولى – التدقيق في ظل الاقتصاد الموجه (1962-1988)

بعد الاستقلال، تبنت الجزائر نظام الاقتصاد الموجه، حيث كانت الدولة تسيطر على أغلب المؤسسات الاقتصادية. في هذه الفترة، كان التدقيق يرتبط بشكل أساسي بالرقابة الداخلية والمحاسبة العمومية التي كانت تمارسها الهيئات الرقابية للدولة، مثل:

مجلس المحاسبة.

المفتشية العامة للمالية.

الهيئات التابعة لوزارة المالية. كانت وظيفة "الرقابة" أكثر بروزًا من "التدقيق المستقل"، وركزت على التأكد من مدى مطابقة العمليات المالية للقوانين والتنظيمات السارية.

ثانياً: المرحلة الثانية – الانفتاح الاقتصادي وبروز الحاجة للتدقيق المهني (1988-2000)

مع بداية الإصلاحات الاقتصادية التي تزامنت مع قانون النقد والقرض (1986) وقانون المؤسسات الاقتصادية (1988)، بدأ التحول نحو اقتصاد السوق، ما فرض ضرورة مراجعة الأساليب التقليدية في الرقابة والتسيير المالي. ومن هنا بدأت مهنة التدقيق تتبلور تدريجياً كمهنة مستقلة عن الرقابة الحكومية، حيث:

تم فتح المجال أمام مكاتب التدقيق الخاصة.

بدأ الاهتمام بتدقيق القوائم المالية وفق المعايير الدولية.

صدرت نصوص تنظيمية لتقنين عمل مدققي الحسابات.

ثالثاً: المرحلة الثالثة – تنظيم المهنة وتحديث الإطار القانوني (2001 إلى اليوم)

شهدت مهنة التدقيق في الجزائر تطوراً نوعياً منذ مطلع الألفية الجديدة، بفضل الإصلاحات الاقتصادية والقانونية، خصوصًا بعد:

صدور الأمر 10-01 المؤرخ في 26 أغسطس 2010 المتعلق بمهنة الخبرة المحاسبية ومراجعة الحسابات.

اعتماد المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية IFRS بالنسبة لبعض القطاعات، وخاصة البنوك.

إنشاء هيئات تنظيمية مثل:

الهيئة الوطنية لخبراء المحاسبة ومدققي الحسابات والمحاسبين المعتمدين (ONEC).

لجنة تنظيم مهنة مراجعة الحسابات.

رابعاً: التحديات الراهنة والآفاق المستقبلية

على الرغم من هذا التطور، ما تزال مهنة التدقيق في الجزائر تواجه عدة تحديات، منها:

ضعف الثقافة المحاسبية لدى بعض المؤسسات، خاصة الصغيرة والمتوسطة.

نقص في التكوين المستمر للمهنيين لمواكبة المعايير الدولية.

محدودية استقلالية المدققين في بعض الحالات نتيجة الضغوطات الإدارية أو التجارية.

الحاجة إلى رقابة فعالة على مكاتب التدقيق لتعزيز جودة العمل.

ومع توجه الدولة نحو الحوكمة، الشفافية والرقمنة، فإن آفاق مهنة التدقيق تبدو واعدة، خاصة مع:

تعزيز دور المدقق في حوكمة المؤسسات.

توسيع استخدام أنظمة التدقيق الإلكتروني.

فتح السوق أمام التنافسية الدولية.

خاتمة:

يمثل تطور مهنة التدقيق في الجزائر انعكاسًا لتطور المحيط الاقتصادي والمؤسساتي في البلاد. وبينما لا تزال هناك تحديات، فإن المهنة مرشحة للعب دور محوري في تعزيز الشفافية والحوكمة في الاقتصاد الجزائري، خاصة إذا تم دعمها بتكوين مستمر وإصلاحات قانونية ملائمة.